أفكارك لا تعني شيئًا وليس لها أي قيمة…

   

الرابط المختصر:

يسير على الأرض بفكرة يعتقد بأنه لا مثيل لها وأنها ستغيّر العالم بلا شك، وعندما يجد إعلانًا عن برنامج أو فعالية قد تغيّر حياته للأفضل أو فرصة للجلوس مع من لديهم خبرة عملية سيستفيد منها الكثير، يبادر بالسؤال المعتاد:

كيف يمكنني حماية أفكاري من السرقة إذا قررت الإشتراك في البرنامج/الفعالية/الكورس أو عرض فكرتي على الخبير أو المرشد؟

أنا (بيني وبين نفسي): لا يكون معي الأستاذ ستيف جوبز (أبل) أو لاري بيج (قووقل)…

 

دعنا نتفق على شئ بسيط بدايةً…

كونك تعرّفت على مجال ريادة الأعمال مؤخرًا (كأن حضرت فعالية شجعتك للبدء) ومن ثم اكتشفت فكرة جديدة في خلال دقائق أو حتى أيام معدودة، هذا لا يُعطيك الحق نهائيًا بأن تفترض بأن فكرتك لها أي قيمة وأنها غير موجودة. على الأغلب، الفكرة التي فكرت فيها (ببساطة) موجودة بشكل أو بآخر داخل بلدك أو خارجه.

العديد من الخبراء ورواد الأعمال الناجحين يرون بأن الأفكار الأولى في الغالب تكون غير ناضجة، وهذا طبيعي جدًا لبعض أو جميع هذه الأسباب:

  • بحكم حاجة عقلك لممارسة التفكير الإبداعي بشكل أكبر مما يتيح له التفكير بشكل أعمق في الأفكار والربط بين مختلف الأفكار والفرص. كلما زاد رصيدك من الأفكار، كلما زادت فرص نجاحك بإذن الله (سأتطرق لهذه الجزئية بشئ من التفصيل في الكورس الثاني القادم بإذن الله).
  • عدم إلمامك الكافي بمجالات شغفك واهتمامك. هذه الجزئية جوهرية وفصّلت فيها في كورس ريادة الأعمال الأول لمحاولة مساعدة المتدربين على تحديد مجالات شغفهم.
  • عدم وضوح العلاقة مابين شغفك وبين الفكرة (هل أنا سأحب العمل على هذه الفكرة لسنوات قادمة؟).
  • عدم إلمامك بمجال الفكرة خاصة لو كان مجال جديد بالنسبة إليك أو كانت لديه خبرة محدودة فيه.
  • تفاصيل المشكلة أو الحاجة الملحّة غير واضحة بعد.
  • من العميل الذي قد يحتاج إلى الفكرة، هل لديه هذه الحاجة فعلاً؟ هل يمكنني الوصول للعميل بطريقة فعّالة (كأن يكون العملاء ضمن مجموعة تربطني بهم علاقة ما)؟

 

لا تحكم على نفسك بالفشل قبل البدء بتمسكك بفكرة غير ناضجة بعد وليس لديك الفهم الكافي لتحويلها لواقع. وحتى لو أفترضنا بأنه لديك إلمام مبدئي كافي بالفكرة، على الأغلب، تحتاج للقراءة والاستزادة حول موضوع بدأ الشركات، كيفية التسويق للفكرة، كيفية جذب العملاء، وغيرها الكثير…لذلك، لا تستعجل! خذ الوقت الكافي في فهم ريادة الأعمال وآلية بدأ الشركات مستفيدًا بالتجارب السابقة المحلية والعالمية خصوصًا تلك التجارب ذات العلاقة بفكرتك.

سجّل جميع الأفكار التي تأتيك لكن لا ترتبط بأي فكرة منها (أعلم بأن هذا صعب من تجربة!). هنالك المئات من الأفكار غيرها والتي ستأتيك إذا ما استمريت في طرح الأسئلة ومحاولة اكتشاف مختلف الأفكار من حولك (كما وضحت في كتاب استكشاف الأفكار). في كثير من الأحيان، قد تستفيد من جميع الأفكار التي تأتيك مع الوقت في بناء أفكار عظيمة، وهذا كله يحتاج لوقت وبحث مطوّل من طرفك في محاولة لفهم الأفكار والمشاكل التي تقوم بحلها أو الحاجة الماسة التي تقوم بتلبيتها. أيضًا، يُقال بأن العقل يبدأ في تكوين العلاقات مع الوقت والربط بين مختلف الأجزاء، وهنا يكون الابداع.


خُرافة وجود أفضلية كبيرة لمن يدخل السوق أولاً

مع تقدّم التقنيات وانخفاض تكلفة تصنيع المنتجات والخدمات وسرعة إنتاجها وإمكانية الاستفادة من التقنيات والشركات المختلفة التي يمكنها المساهمة في تسريع هذه العمليات، أرى بأن الاعتقاد بأن هنالك ميزة كبيرة لأول من ينفذ الفكرة ويدخل بها للسوق هو اعتقاد خاطئ. أضف لذلك بأنه في الغالب، من الصعب جدًا على منتج أو منتجات قليلة أن تسيطر على سوق بأكمله. المساحة تسع الجميع والمنافسة تكون على الابتكار في نموذج العمل بشكل عام وتقديم المنتجات والخدمات بشكل يتجاوز توقعات العميل.

هنالك مساحة كبيرة للتطوير على الأفكار الموجودة وحتى ولو حصل أن فقدت الأولوية في الدخول للسوق، ستكسب بكل تأكيد في التقليل من الأخطاء والاستفادة من تجارب من سبقوك. فكون منافسك أول من دخل لسوق جديد يعني بأن هنالك مخاطرة عالية من طرفه فمعالم الطريق غير واضحة. ومن يعلم، قد تتجاوزه بسبب إنشغاله في تصحيح أخطائه أو لكونه أصبح أكثر حذرًا ويخشى الوقوع في المزيد من الأخطاء!

لا تستمع لكلامي فقط، لنأخذ مجموعة أمثلة على شركات عالمية لم تكن الأولى في دخول سوقها وفي بعض الأحيان، لم تدخل السوق إلا بعد سنوات!

التقنيات الحديثة

شركات عملاقة طوّرت على أفكار موجودة

هنالك مجموعة من الشركات المعروفة تميّزت بتنفيذها المتقن وابتكارها فيما تقدمه. وللتذكير (كما أشرت في كورس ريادة الأعمال الأول)، للنجاح في ريادة الأعمال، لابد من الابتكار في عنصر أو أكثر من عناصر نموذج العمل (Business Model).

قووقل (Google)

قووقل من الشركات التي تأخرت كثيرًا (عدة سنوات) في الدخول لمجال محركات البحث. مع ذلك، استطاعت أن تغيّر وتزيح جميع منافسيها بتقديمها لخدمة ابتكارية (آلية البحث) وتنفيذ الفكرة بشكل متقن. كانت محركات البحث في السابق مزعجة في كثرة الروابط والنصوص وغيرها من الأشياء التي تبطء من سرعة تصفح الموقع. بالإضافة لذلك، العديد من محركات البحث وقتها كانت أقرب لمحركات البحث اليدوية وأدلة المواقع.

هل تأخّر قووقل أدى لتقليل فرصها في النجاح؟ أبدًا.

فيسبوك (Facebook)

فيسبوك لم تكن أول شبكة اجتماعية ولن تكون الأخيرة. سبقتها عدة شبكات اجتماعية مثل Friendster (٢٠٠٢م)، Linkedin (٢٠٠٣م)، و MySpace (٢٠٠٣م) ومن ظهرت فيسبوك في ٢٠٠٤. هل هذا منعها من أن تتربع على عرش الشبكات الاجتماعية؟

العديد من الأخطاء والمشاكل التي كانت تواجه الشبكات الاجتماعية التي سبقتها تجنبتها الفيسبوك وخرجت بخدمة مميزة، عملية، سريعة، ومطورة بشكل جيد تقنيًا. وعلى غرار الشبكات الاجتماعية التي سبقتها، استطاعت فيسبوك أن توجد العديد من مصادر الدخل من خلال الإعلانات، الألعاب، وغيرها.

إنستاقرام (Instagram)

فليكر الذي تأسس في ٢٠٠٤م كان الموقع رقم واحد لكل مايتعلق بالصور وعدد الصور المنشورة فيه كان ينمو بشكل رهيب، إلى أن وصل تطبيق الإنستاقرام (٢٠١٠م). فليكر تأخرت في التأقلم مع التطورات التقنية والاستخدام المتزايد للأجهزة المتنقلة ولم يتم تطوير الخدمة بشكل متسارع مما سمح للمنافسين (إنستاقرام تحديدًا) من اكتساح حصة كبيرة من المستخدمين.

سناب شات (Snapchat)

رغم الانتشار الكبير الذي حققه تطبيق سناب شات إلا أن الخدمة لم تأتِ بتقنية جديدة كليًا بل استفادت من التقنيات الموجودة (الفيديو تحديدًآ) وانتشار الأجهزة المتنقلة وتزايد استخداماتها وطورت خدمة مميزة.

بيريسكوب (Periscope)

بيريسكوب لم تكن الأولى في الدخول لعالم البث المباشر (Live Stream) رغم أنها لم تتأخر كثيرًا عن المنافس السابق (Meerkat) واستطاعت أن تسيطر بعض الشئ على مساحة كبيرة من حصة السوق بعد إطلاقها لتركيزها على النمو والانتشار بشكل أفضل. مع ذلك، هذه المواقع لم تكن أول من أدخل فكرة البث الحي من خلال الانترنت للمشاهدين والزوار فقد سبقها موقع Justin.TV والذي تحول منذ زمن إلى خدمة البث الحي من الأجهزة Twitch.


الخوف طبيعي، ولكن…

من الطبيعي أن نخشى على أفكارنا من السرقة أو أن يسبقنا لتنفيذها أحد فهذه طبيعة إنسانية. وأنا هنا لا أنادي بمشاركة أفكارك على الانترنت وفي كل مناسبة! لكن، من الخطأ أن نسمح لهذا الخوف بالتحكّم في حياتنا بحيث تصل للوسوسة المبالغة فيها والخوف من مناقشة الفكرة في أي مكان ومع أي أحد. رائد الأعمال لابد أن يعرض فكرته على الكثير من الناس شاء أم أبى! فهو يحتاج لعرضها أو مناقشتها من أجل:

  • إدخال شركاء معه في المشروع.
  • إقناع الموظفين بالفكرة (أو كما يقال بيع الفكرة لهم ليتبنوها) خصوصًا لو كان سيمنحهم نسبة في الشركة مقابل راتب أقل.
  • إقناع الشركاء بالعمل وتحمّل جزء من الأعباء والتكاليف والعمل مقابل نسبة (كأن تعمل شراكة مع شركة تقنية لتطوير النظام).
  • الحصول على الاستثمار.
  • الحصول على المساعدة والآراء من المرشدين والخبراء.
  • إقناع العملاء بقيمتها وأهميتها.

وغيرها…

على افتراض أن رائد الأعمال اضطر لعرض ومناقشة فكرته مع بعض أو كل الأطراف المذكورة أعلاه، هل تعتقد بأنه سيقوم بتوقيع إتفاقية عدم الإفصاح (Non-Disclosure Agreement) مع جميع هذه الأطراف؟ أعتقد بأنه بدلاً من محاولة جمع التوقيعات من جميع هذه الأطراف يمكنه إطلاق فكرته وتحويلها لواقع. العديد من الجهات لا توقع هذه الإتفاقية بشكل روتيني مباشر مع كل شخص يأتيها لأنها تعرف بأن أغلبية الأفكار موجودة بشكل أو بآخر. بالتالي، لا تريد مثل هذه الجهات الدخول في مسائل قانونية قد تنتج من توقيعها على مثل هذه الإتفاقيات على أي فكرة تأتيها إضافة لكون ذلك فيه مضيعة للأوقات إذا ما كانت الأفكار تفتقر لأي عنصر إبداعي واضح.

إذا كانت لديك فكرة تتعلق باختراع ما، قد يكون من المناسب تسجيلها كبراءة اختراع إذا كان هنالك قيمة واضحة من القيام بذلك.

إذا كنت تخشى سرقة فكرتك بشكل مبالغ فيه لدرجة أنك لا تريد عرضها ومناقشتها كما في الحالات أعلاه، إسمح لي أن أبلغك من الآن بأن فكرتك لن ترى النور…ربما الأفضل أن تحاول تطبيقها في مخيلتك فقط ولا تزعج أحدًا بعبارات مثل: لدي فكرة ستغير -أدخل مجال ما هنا- فقط انتظر لترى! لدي فكرة ستنافس أوبر (Uber)، وغيرها من العبارات التي نسمعها بشكل متكرر دون أن نرى أي أثر وتطبيق لها على أرض الواقع رغم مرور الشهور والسنين لأن صاحب الفكرة مشغول بالحديث عنها بدلاً من تحويلها لواقع…

 

 

لديك فكرة ما؟ خذ بعض الوقت للتعرّف على المجال الذي تنتمي إليه واقرأ وابحث بشكل مفصّل للتعرف على كافة تفاصيل الفكرة. إسأل نفسك، هل أنا مستعد للعمل على هذه الفكرة لخمسة سنوات قادمة على الأقل؟ هل أنا شغوف فعلاً بهذه الفكرة أم أنها موجة حماس مؤقت؟ هل أريد ريادة الأعمال لأني أرغب في إيجاد حل لمشكلة ما أم لكي أصبح غنيًا؟ إجابتك على هذه الأسئلة بشكل صادق قد تعني تجنّبك لضياع الكثير من الأوقات والجهود وربما تُجنِّبك المرور بتجربة احتمالية فشلها عالية…

الرابط المختصر:

فكرتين عن“أفكارك لا تعني شيئًا وليس لها أي قيمة…”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *