وادي السيليكون (Silicon Valley) يُعرف منذ زمن بأنه وجهة رواد الأعمال في العالم ومنبع لريادة الأعمال ولطالما حلمت (ومازالت تحلم) الكثير من الدول بتكرار تجربة وادي السيليكون بشكل ناجح. فمالذي يميز وادي السليكون عن غيره من الأماكن حول العالم وكيف تمكنت تلك المنطقة من جذب الأنظار إليها كأفضل منطقة في العالم في ريادة الأعمال؟ الجواب بكل بساطة هو أن هنالك منظومة متكاملة وبيئة صحية توفرت فيها العديد من العوامل المهمة للنهوض بريادة الأعمال من أنظمة وتشريعات، توفر الكفاءات، التعليم المناسب، الجهات الاستثمارية، الثقافة، وغيرها…
هذه البيئة والمنظومة الصحية ساهمت وتساهم بشكل كبير في تذليل العديد من الصعوبات أمام رواد الأعمال ليتمكنوا من إطلاق مشاريعهم الريادية الابتكارية في أسرع وقت ممكن.
هذه المقالة المفصلة والطويلة مبنية على تجربتي المتواضعة خلال عملي لعدة سنوات في مجال الابتكار وريادة الأعمال مع عدة جهات داخل وخارج السعودية، من زياراتي للعديد من مسرعات وحاضنات الأعمال المعروفة عالميًا (YCombinator, 500 Startups, TechStars, Seed Camp) ومراكز الابتكار وريادة الأعمال في عدد من الجامعات عالمية في السنوات الماضية (ستانفورد، بيركيلي، أكسفورد، كامبيريدج، وغيرها)، وأيضًا، من خلال ورش عمل ونقاشات ثرية شاركت فيها خلال الأسبوع كمشارك، من ضمن عدة مشاركين من ١٠ دول من حول العالم، في برنامج مكثف تقيمه مسرعة 500 Startups عن تأسيس وإدارة مسرعات الأعمال والاستثمار في الشركات الناشئة وأفضل الممارسات لتنمية ريادة الأعمال ورواد الأعمال.
أهدف من خلال هذه المقالة إلى:
- التعريف بمنظومة ريادة الأعمال بشكل مختصر مع التركيز على الدور المهم الموكل للجامعات والجهات التعليمية.
- مساعدة مسؤولي مراكز ووحدات ريادة الأعمال في الجامعات وغيرها من الجهات في التخطيط بشكل استراتيجي وليس عشوائي لخدمة منظومة ريادة الأعمال.
- توضيح الأدوار الموكلة للجهات التعليمية وللجهات الاستثمارية.
- تسليط الضوء على بعض العقبات التي تحد من تطوّر بيئة ريادة الأعمال.
- اقتراح بعض الحلول لتنمية منظومة ريادة الأعمال وبيئة ريادة الأعمال بشكل عام.
قائمة العناوين
منظومة ريادة الأعمال
منظومة ريادة الأعمال هي تلك البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على ريادة الأعمال بشكل عام في منطقة ما. من ضمن هذه المنظومة، قد يكون هنالك أفراد، جهات حكومية، منظمات، شركات، وغيرها من الجهات التي يمكنها أن تؤثر في ريادة الأعمال ومدى توفّر بيئة مناسبة، محفزة، وسهلة للرواد لإطلاق مشاريعهم.
غالبًا ما يتم تصنيف بعض الجهات الأساسية في منظومة ريادة الأعمال على أنها جهات ممكنة (Enablers) وهي جهات غالبًا مايكون لتأثيرها أهمية كبيرة في تشكيل منظومة ريادة الأعمال. من ضمن هذه الجهات الممكنة الجهات التشريعية، الجهات التعليمية، الجهات الاستثمارية. في هذه المقالة، سيكون تركيزي على الجهات التعليمية والجهات الاستثمارية.
الجهات التعليمية
من ضمن مهام التعليم العالي نفع المجتمع، وفي حين أن العديد من الجامعات (للأسف) حصرت دورها في تخريج الطلبة وإعطائهم الشهادات. بالإضافة لذلك، نجد أن العديد من الجامعات صرفت وتصرف عشرات الملايين (أو مئات الملايين) على البحث العلمي في حين أنه لا يوجد عوائد مادية ملحوظة من ذلك…
تشجيع ريادة الأعمال من المجالات التي ازدادت منافسة الجامعات العالمية فيها من عدة سنوات حيث نجد أن هذه الجامعات تتسابق لتنمية ريادة الأعمال والمجتمع ونشر الثقافة ودعم الرواد بكل الطرق من خلال المحاضرات، الورش، الفعاليات، حاضنات ومسرعات الأعمال، وغيرها من الأنشطة المهمة.
الرسم البياني التالي يوضح عدد الشركات الناشئة التي أسسها خريجوا عدد من الجامعات الأمريكية وتم الاستثمار فيها من قبل جهات استثمارية مختلفة لتسريع نموها للانتشار والحصول على حصة أكبر في السوق. هنالك تنافس بين العديد من الجامعات اليوم لتحقيق للوصول إلى مايسمى بالجامعات الريادية (Entrepreneurial University).
تعتبر الجامعات من ضمن الجهات الممكنة الأساسية خصوصًا كونها تستقطب أعداد كبيرة جداً من الشباب وهي شريحة مهمة حيث أن زرع ريادة الأعمال في هذه الشريحة في هذه المرحلة غالبًا ما يكون له آثار إيجابية لفترة طويلة وقد ينتشر الأثر من خلالهم للمزيد من الأفراد. بالإضافة لذلك، من المهم أن تقوم الجامعات بدورها في تثقيف وتوعية المجتمع ككل وجذب المهتمين بريادة الأعمال وتدريبهم وتهيئتهم لإطلاق مشاريع ريادية واعدة الآن أو مستقبلاً (من الطبيعي أن يتعرف الفرد على ريادة الأعمال ومن ثم يطلق مشروعًا خاص به بعد سنوات).
الجامعات كجهات ممكنة دورها مهم في منظومة ريادة الأعمال لأنها إذا لم تقم بدورها بشكل فعال، سيكون هنالك نقص في عدد رواد الأعمال المؤهلين والمشاريع الابتكارية التي يمكن الاستثمار فيها. وكنتيجة لذلك، سيعاني الكثير من المستثمرين من شح الفرص الاستثمارية في الشركات الناشئة (وقد يتجهوا لمجالات استثمار تقليدية) كنتيجة لعدم وجود طرق عملية يمكن من خلالها الوصول إلى الرواد المميزين ومشاريعهم التي تحتاج للاستثمار. بالتالي، يمكننا القول بأن تقصير الجامعات (وغيرها من الجهات) في دورها التثقيفي/التوعوي/التعليمي سيؤدي إلى آثار سلبية تؤثر على منظومة ريادة الأعمال ككل.
تقصير #الجامعات في دورها التثقيفي/التوعوي/التعليمي لدعم ريادة الأعمال سيؤدي إلى آثار سلبية تؤثر على منظومة #ريادة_الأعمال ككل. pic.twitter.com/x0cgTEz8Ef
— عبدالرحمن حريري 💡 Abdulrahman Hariri (@aaahariri) May 1, 2017
من الجامعات السعودية التي قطعت شوطًا واضحًا في هذا المجال باستثمارها في تنمية المجتمع وتثقيفه وجذب الرواد على مايزيد عن ٥ سنوات جامعة أم القرى، وقد حصلت وكالة الأعمال والإبداع المعرفي فيها مؤخرًا على جائزة مكة للتميز. مُبارك لجامعة أم القرى السبق في هذا المجال وتميزها الواضح في هذه المساحة لليوم.
#أمير_مكة يعلن..
الفائز التاسع بـ #جائزة_مكة_للتميز
التميّز العلمي والتقني:
• وكالة جامعة ام القرى للأعمال
• أيمن الشريف ( مؤسس سناب مكة ) pic.twitter.com/nQdAE8rJRE— إمارة منطقة مكة المكرمة (@makkahregion) April 30, 2017
الدور الأساسي للجهات التعليمية: تثقيف، تدريب،تنمية، وتطوير الكفاءات التي لديها القابلية لإطلاق مشاريع ريادية.
الجهات الاستثمارية
وجود الجهات الاستثمارية المختلفة أمر صحي ومهم لنمو بيئة ريادة الأعمال في أي دولة من دول العالم خصوصًا كون العديد من الأفكار الابتكارية أو تلك التي تحتاج للتطوير في حاجة لرأس المال لبناء المنتج أو الخدمة ومن ثم دخول السوق.
الجهات الاستثمارية جهات تهدف لتحقيق أكبر قدر من الربح! بالتالي، من الطبيعي جدًا أنها تبحث عن أفضل الفرص وأقلها خطورة ولن تجازف بالاستثمار في أي شركة ناشئة قبل أن تُثبت نموذج عملها وتبدأ في توليد مصادر الدخل بشكل يعتمد عليه. بعد أن تثبت الشركة الناشئة نموذج عملها ومقدرتها على توليد الأرباح تكون نسبة المخاطرة قد انخفضت بشكل كبير، وبالتالي، نجد أن المستثمرين مستعدين للاستثمار في هذه مثل هذه الشركات في هذه المرحلة.
من خلال احتكاكي بالعديد من المسؤولين من عدة جهات تمويلية واستثمارية مختلفة خلال العامين الماضيين، لاحظت بأن الغالبية العظمى منهم يشتكي عدم وجود أفكار ابتكارية مميزة تستحق الاستثمار فيها مما يدل على ضعف وتقصير العديد من الجهات الممكنة (من جامعات وغيرها) في أداء دورها. نتج عن ذلك أحد هذه الحالات:
- صرف كمية كبيرة من الأموال على مشاريع تقليدية النفع منها محدود.
- عدم الاستثمار في أي من المشاريع الناشئة وبقاء الأموال في الصناديق الاستثمارية.
- الأسوأ من هذا وذاك هو قيام بعض الجهات بإقراض/تمويل الأفراد الذين يرغبون في بدء مشاريعهم (دون التأكد من مؤهلاتهم) مما يؤدي لضياع الكثير من الأموال وتراكم الديون على بعض أفراد المجتمع.
خفض المعايير وقبول أي طلب للتمويل بسبب قلة طلبات الاستثمار/التمويل أو الفرص هو أسوأ مايمكن القيام به بل واعتبره مدمّر وفيه هدر كبير للأموال!
لكي تتمكن الجهات الاستثمارية من أداء عملها والاستثمار في الشركات الناشئة، لابد من وجود أعداد كبيرة من الأفكار المميزة (الفرص الريادية) والرواد الشغوفين الذين يعملون على أفكارهم لاثبات جدواها. وجود هذا العدد الكبير من الرواد شئ مازلنا نفتقر إليه في السعودية. عندما أقول نفتقر إليه فأنا لا أقصد عدم وجود مثل هؤلاء الرواد بل ما أقصده هو أن عددهم قليل جدًا وقلة منهم تمكنوا من الوصول لنموذج عمل يعتمد عليه وهو أمر مهم كونه يُعطي مؤشرًا للجهات الاستثمارية بأن المشروع الريادي (الفرصة الاستثمارية) انخفضت نسبة المخاطرة فيها مما يُشجعهم للاستثمار فيها.
الدور الأساسي للجهات الاستثمارية: تمويل الشركات الناشئة وتوفير التسهيلات المالية والخدمات المساندة لنجاحها.
قد يتساءل البعض، أي من الجهات أعلاه (التعليمية والاستثمارية) وجوده أهم لتحريك بيئة ريادة الأعمال وتنميتها؟
بكل بساطة، الجهات التعليمية دورها هو الأهم لأن عدم وجودها أو تقصيرها في دورها المهم يُقلل من كفاءة منظومة ريادة الأعمال ككل حيث أن قلة الجهود التثقيفية، التوعوية، وغيرها ينعكس سلبًا على قلة أعداد المهتمين بريادة الأعمال في المجتمع، وبالتالي، ستكون فرص بروز شركات ناشئة مميزة أمر شبه مستحيل.
بالنظر لتجربة 500 Startups أثناء توسعهم في السنوات الأخيرة للمكسيك كدولة نامية، نجد أنه في حين لم يكن هنالك أفراد وجهات مستعدة للاستثمار في الشركات الناشئة ابتداءً، إلا أنه بمجرد البدء في إقامة الفعاليات والمحاضرات وغيرها بدأت العديد من الجهات في تكوين صناديق استثمارية للاستثمار في هذه المشاريع الناشئة المحلية. بالتالي، يمكننا القول بأن عدد الصناديق الاستثمارية والمستثمرين غالبًا ماسيزداد إذا ماكان هنالك ازدياد في الفرص الاستثمارية في المشاريع الناشئة.
منظومة ريادة الأعمال في الجامعات السعودية
تعاني العديد من الجامعات السعودية من افتقارها للكفاءات التي يمكنها إدارة وتنمية ريادة الأعمال داخل الجامعة. وكنتيجة لذلك، في حين أن تأسيس مركز أو وحدة أو إدارة لريادة الأعمال قرار إيجابي، عدم وجود الكفاءات التشغيلية المناسبة سيقلل من الأثر الإيجابي لمثل هذه الوحدات بشكل كبير وفي أسوأ الأحوال، قد يكون الأثر سلبيًا إذا ما كان هنالك تخبّط في إدارة هذه الوحدات مما قد يؤدي إلى ابتعاد الطلبة والمستفيدين منها ومن الأنشطة التي تقوم بها.
بالإضافة لما سبق، وكنتيجة مباشرة لافتقار الجامعات للكفاءات في مجال ريادة الأعمال، نجد أن بعض الجهات قامت بربط ريادة الأعمال بإقامة المحاضرات هنا وهناك دون وجود فهم واضح لأهمية التفكير بشكل استراتيجي في منظومة ريادة الأعمال ككل داخل الجامعة وكيف يمكن تطويرها وتشغيلها بفاعلية.
ريادة الأعمال أبعد مايكون عن مجرّد محاضرات ومسابقات تقام من فترة لأخرى…لكي تنجح وتنمو ريادة الأعمال في جامعة أو جهة ما، لابد أن يكون هنالك فهم واضح لأهمية بناء إجراء واضح لتدفق الفرص (Deal Flow) أو ما أحبّذ تسميته دومًا بخط انتاج المشاريع الريادية (Entrepreneurship Pipeline).
خط إنتاج المشاريع الريادية (Entrepreneurship Pipeline)
إجراء تدفق الفرص وتوليد المشاريع الريادية هو مجموعة من الأنشطة المستمرة التي تقوم بها الجهات المختلفة من أجل:
- نشر ثقافة ريادة الأعمال لجذب أعداد كبيرة من أفراد المجتمع (شريحة كبيرة).
- التعرّف على المهتمين بريادة الأعمال والتركيز عليهم (شريحة صغيرة).
- الاستثمار الأولي في المشاريع الريادية الواعدة لإطلاقها وتسهيل دخول السوق (مجموعة محدودة من الأفراد).
بناءً على الخطوات أعلاه، يمكننا تصوّر خط إنتاج المشاريع الريادية على شكل قُمع (Funnel) حيث نجد أن أعداد المستفيدين من الأنشطة في بداية الإجراء (بداية القمع) أكبر بكثير من تلك التي تستمر وتتخرّج من هذا الإجراء بمشاريع ريادية، وهذا منطقي، فالبعض في بداية الإجراء قد يكون مهتمًا بمعرفة بعض المعلومات عن ريادة الأعمال بينما البعض الآخر قد تستهويه ريادة الأعمال ويقرر الاستمرار لخوض هذه التجربة الفريدة.
الجهات الاستثمارية سواءً كانت خاصة أو عامة يهمها بشكل كبير وجود أعداد كبيرة من الفرص الاستثمارية للمفاضلة فيما بينها واختيار الأفضل منها. قيام الجامعات بهذا الدور (توليد الفرص) سيسهل من مهمة الجهات الاستثمارية لتتفرّغ لعملها. لذلك، العلاقة بين الجامعات والجهات الاستثمارية لابد أن تكون تكاملية بحيث يكون هنالك تعاون مباشر بين هذه الجهات وعلاقات استراتيجية مفيدة للطرفين (Win-Win).
لتوضيح أهمية خط الإنتاج هذا، يمكننا مشاهدة مدى الاهتمام الذي توليه مسرعات الأعمال مثل YCombinator و 500 Startups بمثل هذا الإجراء حيث أنها أسست إجراء خاص بها لتوليد وجذب الفرص الريادية لتتمكن من اختيار أفضلها دون الاعتماد على جهات أخرى ولوجود منافسة عالية على الأفكار المبتكرة في وادي السيليكون. من خلال نقاشي مع مسؤولين في مسرعتي YCombinator و 500 Startups، هنالك إجماع على أن توليد الفرص الريادية عالية الجودة هو أهم مايمكن القيام به لتخريج شركات ريادية مميزة ذات أثر حقيقي! عدا ذلك، إذا كانت المدخلات من فرص ورواد سيئة فستكون المخرجات من مشاريع ريادية سيئة.
بالتالي، هذا الإجراء لابد أن يعمل بشكل مستمر (كخط الإنتاج) بحيث يكون هنالك توليد مستمر للفرص الريادية عالية الجودة (Quality Deal Flow) الي يمكن أن تتحول لمشاريع ناشئة مبتكرة يمكن الاستثمار فيها من قبل جهات أخرى لاحقًا. أوكد على ضرورة عمل الإجراء بشكل مستمر ذلك أن توليد عدد محدود من المشاريع الريادية بشكل عشوائي لن يضيف أي شئ ولا يمكن الاعتماد عليه! هنالك حاجة لأن يكون هنالك جهود مستمرة لتوليد أكبر قدر من الفرص الريادية بحيث تستفيد الجامعة من تملكها لحصص صغيرة في هذه الشركات الناشئة ومن ثم تقوم بإطلاقها في السوق بشكل مستمر ليتم الاستثمار فيها إذا لزم ذلك.
الوضع الاقتصادي واستثمار الجامعات في الشركات الناشئة
من خلال ماتم مناقشته أعلاه، يمكننا القول أن الدور الأساسي للجامعات هو توليد أعداد كبيرة من الرواد (المحتملين) وتقليل المخاطرة (De-Risk) في المشاريع المبتكرة بالاستثمار أوليًا (مقابل حصة أو بدون حصة) في بعض المشاريع التي تستحق الاستثمار لاختبار جدوى فكرتها تمهيدًا لدخولها للسوق أو لتهيئتها للحصول على الاستثمار من الجهات الاستثمارية المختلفة إذا كان المشروع في حاجة لذلك (مثال: المشروع أثبت جدوى الفكرة ووجود الطلب لكن الآن في حاجة لتأسيس الفرق المتخصصة وتنفيذ الاستراتيجيات التسويقية وغيرها).
بعد تحقيق هذا الدور الأساسي المذكور، يمكن للجامعات بكل تأكيد أن تستثمر في مراحل أخرى (بالإضافة لاستثمارها الأولي) في المشاريع الريادية ذات القيمة لتوليد مصادر دخل طويلة الأجل من خلال الحصص التي تتملكها في أعداد كبيرة من الشركات الناشئة (أقول أعداد كبيرة لأنه الاستثمار في الشركات الناشئة يستلزم ذلك).
الجامعات السعودية لطالما اعتمدت على الدعم الحكومي بشكل أساسي للعمل وأداء مهامها. لذلك، نجد أن قلة من الجامعات لديها مصادر دخل ذاتية كبيرة وقد يكون السبب في ذلك عدم وجود الحاجة لزيادة المدخولات سابقًا بالإضافة لقِدم الأنظمة والتشريعات المتعلقة بالمتعلقة بالجامعات حيث ضيّق بعضها على الجامعات أو على الأقل لم يشجعها ويدفعها لتوليد مصادر دخل إضافية بشكل واضح.
مع التغييرات الاقتصادية مؤخرًا، وكما حصل في العديد من الدول حول العالم في السابق (مثل بريطانيا سابقًا)، نجد أنه من المرجّح في الفترة القادمة أن يتم تقليل الدعم الحكومي للجامعات. مثل هذه الخطوة متوقّعة ومن ضمن إيجابياتها دفع الجامعات للابتكار في تنويع مصادر دخلها بحيث تغطي جزء كبير من تكاليفها التشغيلية.
الخطورة في مثل هذه المرحلة، وهو شئ لاحظته مؤخرًا، أن تتخلى الجامعات عن دورها الأساسي المذكور أعلاه رغم أنها لم تُتقن تطبيقه بحيث تنتقل لعقلية الاستثمار فقط وتبدأ في البحث عن الشركات الناشئة لتستثمر فيها منافسة بذلك الجهات الاستثمارية في دورها ومتخلية عن دورها كجهات ممكنة (Enabler) معتقدة بأن التدريب والتثقيف أنشطة ثانوية غير مهمة ومايهم هو الاستثمار في الشركات الناشئة مباشرة!
التحول التجاري لبراءات الاختراع والأفكار المبنية على الأبحاث
ريادة الأعمال موضوع جديد ولم يصل لمرحلة التشبّع بعد وهو أبعد مايكون عن ذلك. أضف لذلك أن الجامعات طوال سنوات مديدة صرفت عشرات أو مئات الملايين على البحث العلمي وتسجيل براءات الاختراع ورفع التقييم الخاص بالجامعة دون أن يكون لمثل هذه الصرفيات المهولة أي عوائد مادية تُذكر للجامعات وأي تأثير إيجابي على اقتصاد البلد.
من المعروف عالميًا أن التحول التجاري لبراءات الاختراع (Patents) والأفكار المبنية على الأبحاث العلمية (Research-based Ideas) إجراء معقد جدًا، مكلف، ويحتاج للكثير من الوقت. لذلك، نجد أن العديد من الجامعات حول العالم، رغم توفّر البنية التحتية الصناعية والتقنية في دولها، لا تستثمر إلا في عدد محدود جدًا من براءات الاختراع لتحويلها لمنتجات تجارية. في الدول النامية، درجة التعقيد ستكون أكبر بمراحل نظرًا لافتقار الدول النامية للبيئة الصناعية والتقنية اللازمة التي غالبًا ماتكون مطلوبة. لذلك، يمكننا القول بأن الاستثمار في البحث العلمي وبراءات الاختراع لا يُعد استثمارًا أمثل في هذه المرحلة.
ريادة الأعمال هي المستقبل وتحتاج لميزانيات مخصصة و (بال طويل)
قد تتفاجئ عزيزي القارئ لو أبلغتك بأنه رغم الصدى والانتشار العالمي لريادة الأعمال ووضوح أثرها وأهميتها بشكل كبير إلا أن العديد من الجامعات مازالت لم تخصص أي ميزانيات تذكر لهذا الموضوع. ففي حين أن هنالك عشرات الملايين (وأكثر) تُصرف على الأبحاث العلمية وتحسين التقييم العالمي للجامعات، نجد أن موضوع البحث العلمي لم يحصل حتى على ٥٪ ربما من ميزانية هذه الجهود التي لن تحقق أي عوائد حقيقية تذكر للجامعة (مادية وغيرها) والمجتمع (تنمية المجتمع، الخ…).
لإيجاد أثر حقيقي في الاقتصاد المحلي وعوائد طويلة المدى للجامعة، لا بدأ أن تبدأ الجامعات في النظر لريادة الأعمال على أنها استثمار طويل المدى. هذا الاستثمار ليس ماديًا! بل هو استثمار في العقول والطاقات وفي المجتمع والانسان قبل أن يكون استثمارًا لتحقيق عوائد مادية بحتة.
أكاد أجزم بأن الاستثمار في ريادة الأعمال اليوم هو أحد أفضل الاستثمارات التي ستساهم بشكل كبير في نفع المجتمع بشكل واسع وتحقيق عوائد مادية طويلة الأجل. هذا الاستثمار يكون أولاً بجذب الشباب والمهتمين وتنميتهم ومن ثم الاستثمار في مشاريعهم أوليًا لاختبار جدواها. مثل هذا الاستثمار الأولي يعتبر عالي المخاطرة. بالتالي، تبتعد الجهات الاستثمارية عنه خصوصًا أنه ليس من مسؤولياتها. فإذا لم تقم الجامعات والجهات التعليمية بتقليل خطورة مثل هذه المشاريع الريادية، لن يقوم أحدُ بذلك (باستثناء عدد محدود من الأفراد والجهات الخيرية أو الاجتماعية ربما لكن أثرها محدود جدًا غالبًا). وحتى في حال فشل رواد الأعمال في إطلاق مشاريعهم أول مرة (شئ متوقع ومتفق عليه عالميًا)، فهم اكتسبوا المهارات اللازمة والتجربة التي تخولهم لإعادة المحاولة مجددًا في مشروع آخر. العديد من مسرعات الأعمال حول العالم تستقبل بعض الرواد فيها أكثر من مرة، فهم يؤمنون بأن الفشل بداية النجاح، ومن لم ينجح من أول محاولة قد ينجح في محاولات لاحقة مع تراكم الخبرات والمعرفة.
فكّر معي في شركات مثل أوبر وكريم، هل لاحظت عِظَم المشكلة التي قامت بحلها لشريحة كبيرة من المجتمع والفائدة التي ترتبة على الحل المطروح؟ مارأيك في الوظائف التي وفرتها لأي شاب في حاجة لزيادة مصادر دخله ليصرف على نفسه وأسرته؟ ماذا لو كانت لدينا ١٠٠ شركة في مجالات متنوعة تستفيد من الشباب وتنمّيهم وتساهم في إيجاد أثر إيجابي مستدام في المجتمع. ماذا لو نسبة بسيطة من هؤلاء الشباب أصبحوا بدورهم رواد أعمال؟
الشركات الناشئة شركات لديها القابلية للنمو بشكل سريع، بالتالي، ستساهم في خلق الوظائف بكل تأكيد وتحقيق العديد من الفوائد الأخرى للمجتمع. من غير المستغرب أن يبدأ موظفوا الشركات الناشئة أنفسهم في تأسيس مشاريع ريادية أخرى مستقبلاً. هل سمعت عن شركة PayPal؟ عدد كبير ممن عملوا في المراحل الأولى من تأسيسها وبعد انتشارها قاموا بتأسيس شركاتهم الخاصة، البعض الآخر أسس مسرعات أو حاضنات أعمال قامت بدورها بالمساهمة في تأسيس المزيد من الشركات الناشئة…
كما أشرت سابقًا فالاستثمار في الشركات استثمار عالي المخاطرة وطويل الأجل. بالتالي، لزيادة نسب النجاح، لابد من أن يكون هنالك استثمار في أعداد كبيرة من الشركات الناشئة على مدى طويل (٥-١٠ سنوات). أما الاستثمار في شركة واحدة أو شركتين فقط بمبلغ متواضع ودون توفير أي مساعدة حقيقية تذكر فهذا لا يسمى استثمارًا بل “لِعِب عيال”.
٣ نصائح لزيادة فاعلية منظومة ريادة الأعمال في السعودية
بعد هذا النقاش المطول عن دور الجهات الممكنة وتحديدًا دور الجامعة وأهميته، من المهم تسليط الضوء على ٣ نصائح مهمة ستساهم بإذن الله في زيادة فاعلية ونضوج بيئة ريادة الأعمال ومنظومة الأعمال في المملكة بإذن الله. هذه الاقتراحات مبنية على نظرتي الشخصية، تجارب بعض الدول النامية، وأيضًا، تجارب بعض الدول المتقدمة.
١. التثقيف والتوعية
ريادة الأعمال مجال جديد نسبيًا وغير مفهوم كليًا أو على الأقل ليس مفهومًا بعد بشكل كافٍ.
القيادات العليا في الجامعات
بالنسبة للجامعات، غرس القيادة العليا للجامعة في برامج عالية الجودة في ريادة الأعمال والابتكار ستساهم في تعريفهم بهذا المجال الحيوي وسبل دعمه وتنميته في الفترة المقبلة. بناء بيئة صحية لريادة الأعمال في الجامعات عملية تستغرق الكثير من الوقت وتحتاج لدعم القيادات العليا المادي والمعنوي. تأخّر الجامعات في مواكبة التقدّم في هذا المجال سيكون مكلفًا جدًا وسيكون على حساب سمعتها وفقدان العديد من الفرص المتاحة والتي من المفترض أن تبدأ الجامعات في تهيئتها واقتناصها. الحكومات في الدول العربية تعوّل على الجامعات الكثير في دعم وتنمية ريادة الأعمال. بالإضافة لذلك، أعداد معارض الابتكار والشركات الناشئة في ازدياد وستزداد شعبيتها في الفترة المقبلة، وسيكون واضحًا للمسؤولين على اختلاف مستوياتهم وللمجتمع أي من الجامعات فعلًا قطعت شوطًا طويلاً في دعم ريادة الأعمال والاقتصاد المحلي وأي هذه الجامعات لم تستيقظ بعد من سباتها وتجدها تهرع قبل كل معرض أو فعالية للبحث والتنقيب عن أي مشاريع يمكن المشاركة فيها في مثل هذه المعارض.
هنالك العديد من الطاقات الرائعة تنتظر بعض التوجيه، الاحتضان، والدعم المادي والمعنوي من فريق متخصص وملم بريادة الأعمال في ظل مايتطلبه إنشاء شركة ناشئة من جهد وعمل متواصل وتوجيه مستمر طوال الرحلة. التنظير في مواد إدارة الأعمال لم يعد مقبولاً اليوم، وعلى الجامعات تطوير مناهجها وبرامجها في مجال إدارة الأعمال وريادة الأعمال لتصبح عملية بشكل أكبر.
المستثمرون
رغم انخفاض شعبية العقارات في الفترة الأخيرة إلا أن العديد من المستثمرين الأفراد ليس لديهم الفهم الكافي لأساليب الاستثمار في المشاريع الريادية عالية المخاطرة وكونه استثمار طويل الأجل لكن قد يحقق عوائد عالية نظرًا لطبيعة الشركات الناشئة. بالإضافة لذلك، يجهل العديد من المستثمرين وبعض الجهات الاستثمارية الخاصة وصناديق الاستثمار أن الاستثمار في المشاريع الناشئة يستلزم الاستثمار في أعداد كبيرة من الشركات الناشئة لتوزيع المخاطر وزيادة احتمالية الاستثمار في شركات ريادية قابلة للنمو السريع بحيث تحقق عوائد عالية.
بالإضافة لذلك، من المهم توعية المستثمرين والجهات الاستثمارية بأهمية بناء العلاقات، توفير الدعم المعنوي، تسهيل الدخول للسوق، وتوفير أي من الخدمات الأخرى لرائد الأعمال (دون أداء عمله عنه!) ذلك أن الاستثمار الصحيح في المشاريع الريادية ليس بتوفير المال والاختفاء عن الساحة وترك رائد الأعمال لمصيره!
أخيرًا، رغم أن رائد الأعمال (على اختلاف المرحلة التي يكون فيها مشروعه) قد يكون في حاجة للمستثمر، إلا أن المستثمر أيضًا في حاجة لرائد الأعمال لتنمية استثماراته. بالتالي، من الخطأ أن يحاول المستثمر أخذ حصة كبيرة في الشركة الناشئة أو أن يحاول زيادة قيمة الشركة بشكل غير منطقي حيث أن ذلك سيصعب عملية الحصول على الاستثمار في المراحل اللاحقة في الشركة إذا ماكان هنالك حاجة لذلك. في بعض الحالات، يحاول بعض المستثمرين أخذ حصة مبالغ فيها في الشركة (+٧٠٪ مثلاً)، ومثل هذا التصرف قد يؤدي لفقدان الحماسة لدى رائد الأعمال لأنه فقد حصة كبيرة من الشركة من مرحلة مبكرة وقد يخسر المزيد في مراحل لاحقة من الاستثمار هذا إذا استطاع أن يقنع مستثمرين آخرين بالدخول معه…
رواد الأعمال المبتدئين
العديد من رواد الأعمال المبتدئين يجهلون أهمية الاستثمار وطرقه ومبرراته في مشاريعهم الريادية وهذا غالبًا مايؤدي إلى:
- محاولة زيادة قيمة شركتهم بشكل مبالغ فيه دون أدنى تبرير وتنفير المستثمرين الذين سيتضح لهم مباشرة جهل رائد الأعمال!
- الموافقة على إعطاء نسبة مبالغ فيها من الشركة للمستثمر في مرحلة مبكرة.
- الاعتقاد بأن الهدف جمع أكبر قدر من المال حتى ولو لم يكن هو في حاجة إليه على حساب حصته في الشركة!
- الاعتقاد بأن المستثمر يحاول إلتهام أكبر حصة في الشركة (هذا صحيح لكنه قد يحصل إذا كان رائد الأعمال جاهلاً).
الاستثمار في الشركات الناشئة حول العالم يتم على عدة مراحل (فكرة، نموذج عمل مثبت، النمو،…)، ومن غير الطبيعي (باستثناء بعض الحالات) أن يتم ضخ كميات كبيرة جدًا في الشركة وهي لم تحقق بعد بعض المعايير التي تتطلبها كل مرحلة.
جهات التمويل
كما أشرت سابقًا فإن بعض جهات التمويل لا تبحث وتتحقق بشكلٍ كافٍ قبل منح التمويل المطلوب للأفراد المتقدمين. وفي حين أنه من مصلحة جهات التمويل الحصول على القروض أو التمويل المقدّم، من المهم أيضًا زيادة احتمالية استرجاع هذه المبالغ في وقتها وألا تتحول لديون متراكمة على عدد من الأفراد. لذلك، على مثل هذه الجهات أن تتحقق بشكل أكبر من جودة الطلبات المتقدمة مع دراسة مقدرات ومهارات الأفراد المتقدمين بشكل أكبر حتى لا يتم تمويل الأفراد غير المؤهلين وإغراقهم في ديون لا ترحم لفترات طويلة.
خطة العمل التي تطلبها العديد من الجهات ليست مقياسًا لنسبة نجاح المشروع وبكل تأكيد لن يتضح من خلالها مدى جاهزية المُقترض أو الشخص المتقدم للحصول على الدعم لأن ينشئ عملاً تجاريًا خاصًا به. لذلك، أقترح إقامة برامج تدريبية مكثفة بشكل تسلسلي لتهيئة المتقدمين للحصول على التمويل والتأكد من جديتهم والتزامهم ومساعدتهم في التخطيط الصحيح لمشروعهم التجاري. مثل هذه البرامج يمكن إقامتها بالتعاون مع جهات أخرى (مثل الجامعات) لتقليل العبئ على الجهات التمويلية خصوصًا إذا لم يكن لديها فريق متخصص وشبكة من المرشدين.
الدور الحقيقي لصناديق التمويل من المفترض ألا يكون محصورًا في القيمة المادية المقدّمة للعميل بل لابد أن تتجاوز ذلك بحيث تقوم الصناديق بتقييم المتقدمين وتطويرهم إن لزم لزيادة فرص نجاحهم وإيجاد أثر إيجابي في الاقتصاد بدلاً من تمويل كل من يتقدم للحصول على التمويل وتعطّل نسبة كبيرة من الأموال ومن ثم تراكم الديون…
٢. الكفاءات التشغيلية في ريادة الأعمال
كون مجال ريادة الأعمال مجال جديد نسبيًا، نفتقر في بلداننا العربية للكفاءات التي لديها الخبرات النظرية والعملية معًا في هذا المجال. بالتالي، تعاني العديد من الجهات من عدم مقدرتها على إقامة البرامج المناسبة. كحل جزئي، من المهم أن تستفيد الجهات التي ترغب في إقامة برامح متخصصة من خبرات رواد الأعمال ورجال الأعمال المحليين. في نفس الوقت، على هذه الجهات البدء في تدريب وغمس عينة من الموظفين لديها في عدد من البرامج العملية لإكسابهم المعرفة اللازمة لإقامة هذه البرامج. مع ذلك، ليس هنالك قيمة في برامج ريادة الأعمال التي تقام إذا لم يساهم في تصميمها وتقديمها رواد أعمال أو رجال أعمال لديهم الخبرة العملية. الجانب النظري سهل ويمكن لأي شخص أن يتعلمه من كتاب أو من مقاطع فيديو من الانترنت. في المقابل، الخبرات العملية المحلية لن يعرفها إلا من خاض التجربة. لذلك، على الجامعات وغيرها من الجهات بناء علاقات مع رواد الأعمال ورجال الأعمال في المنطقة للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وإثراء البرامج المقدمة للرواد الجدد.
أخيرًا، للتأسيس لريادة الأعمال في الجامعات وغيرها من الجهات بشكل صحيح، لابد من تأسيس الفرق وتنمية الكفاءات التشغيلية الداخلية لدى نفس الجهة وتقليل الاعتماد على الجهات الاستشارية سواءً كانت محلية أو عالمية (جامعات خارجية مثلاً). مع ذلك، لا مانع من الاستفادة من تجارب الجهات الخارجية مؤقتًا في السنوات الأولى ريثما يتم بناء فريق العمل المناسب وبناء العلاقات والشراكات المفيدة. هذه الاستفادة المؤقتة ستساهم في تعجيل البداية بشكل صحيح لكن الهدف النهائي دائمًا لابد أن يكون تأسيس فريق متكامل لتولي هذه المهام مع الاستفادة بعدد من المرشدين والرواد المحليين.
٣. دعم ومتابعة الجهات العليا في البلد
رغم تجلي أهمية ريادة الأعمال والدور الكبير الذي يمكنها أن تلعبه في دعم الاقتصاد المحلي وتنمية المجتمع إلا أن العديد من الجهات قد لا تتحرك بالسرعة المطلوبة إما لعدم وجود الكفاءات اللازمة لديها، لقلة الدعم المادي، لعدم إيمان أو جهل الإدارة العليا بأهمية ريادة الأعمال، أو لغيرها من الأسباب.
من الضروري جدًآ أن يكون هنالك متابعة من المستويات العليا لتقدّم الجهات الأساسية (كالجامعات مثلاً) في منظومة ريادة الأعمال وسبل تعزيز دورها لخدمة بيئة ريادة الأعمال بشكل أفضل. مثل هذه المتابعة قد تكون لضمان تحرّك الجهات في التوجه الذي تراه الحكومة (ضغط من أعلى لأسفل) وقد تكون المتابعة لدراسة المشاكل والعقبات واقتراح الحلول لتتمكن الجهات الأساسية في منظومة ريادة الأعمال بالعمل بشكل متكامل وفعّال مع تسريع وتيرة الأثر المترتب من مثل هذه الجهود.
ريادة الأعمال ليست مجرّد موضة جديدة وستذهب فهي مخرج حقيقي للعديد من التحديات التي تواجه الدول حول العالم. الآثار الإيجابية المترتبة على تنمية بيئة صحية لريادة الأعمال لا يمكن حصرها (اقتصادية تنموية، اجتماعية، وغيرها).
كل من عمل ويعمل في هذا المجال السعودية يدرك تمامًا كمية الفرص والطاقات الشبابية المبدعة والتي لم تجد بعد الدعم الكافي الذي تستحقه.
وكما يخاطر رائد الأعمال بوقته وجهده فعلى الجهات الممكّنة المخاطرة بالاستثمار في كل مامن شأنه أن ينمّي بيئة ريادة الأعمال ويساهم في دعم وتوجيه رواد الأعمال لزيادة فرص نجاحهم. ولتحقيق ذلك، نحن في حاجة لتكاتف الجهود شريطة أن تكون هذه الجهود مدروسة وفعّالة ومركّزة لا جهود مبعثرة ومحاولات عشوائية بسيطة هنا وهناك…