سليمان الراجحي…من الحاجة إلى ملياردير الخير

   

الرابط المختصر:

في حياتنا أشخاص ناجحون كُثُر، بعضهم لا يزال حياً يتقلب في النجاح والثروة ويحقق مزيداً من الشُهرة والتألق في مجاله، وبعضهم غادرنا إلى الدار الأخرة بعد أن ترك بصمةً واضحةً لا يُمكن لعوامل الزمن محوها من الذاكرة. ومن بين هؤلاء نقرأ ونسمع عن أفرادٍ لم يرثوا ثرواتهم عن آبائهم، بل كانوا عصاميين؛ فانطلقوا من الصفر، ودخلوا في تحدٍ لظروفهم القاسية والصعبة، وكان سلاحهم في مواجهة كافة الصعاب التي اعترضت طريقهم نحو القمة والنجومية العزيمة والمثابرة والإصرار على ارتقاء سلم النجاح درجة درجة، حتى بلغوا قمته وتربعوا عليها ردحا من الزمن. وما من شك أن استعراض قصص نجاح هؤلاء الأشخاص يبعث على خلق الدافع والطموح لدى الكثيرين، ويشحذ الهمم والإصرار على السعي نحو أهدافهم، غير آبهين بما قد يعترضهم من صعاب أو عوائق. في هذا المقال سوف نتعرض إلى قصة نجاح فريدة من نوعها، لرجل أعمال عربي عصامي بدأ حياته من الصفر، وتمكَّن من أن يتحول إلى مِلياردير ذائع الصيت، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم كله. وبطبيعة الحال، فلم يكن لهذا كله أن يتحقق لولا وجود الرؤية الثاقبة والعزيمة التي لا تلين والتفاني منقطع النظير في العمل التي كان بطل قصتنا يتمتع بها؛ مما مكَّنه من تذليل كافة العقبات التي وقفت في طريقه. بطل قصتنا هذه هو المرحوم بإذن الله الشيخ “سليمان بن عبد العزيز الراجحي”.


البداية والصعوبات

وُلِد الشيخ “سُلَيمان بن عبد العزيز الراجحي” عام ١٩٢٩م، لأسرة فقيرة كانت تَقطُن في قرية “بكيرية” في منطقة القصيم، وسط المملكة العربية السعودية. وقد انتقل إلى مدينة الرياض مع والده سعياً وراء لقمة العيش حينما كان لا يزال طفلا صغيرًا. ومما يُذكَر عن “سُلَيمان الراجحي” أنه – ومنذ نعومة أظافره – تميز بحبه للعمل والتجارة وكسب المال. كما أنه عُرِفَ بقوة العزيمة في السعي خلف رزقه، كما تميز بانفتاح عقله وقابليته للتعلم واكتساب المعرفة والاستفادة من خبرات الآخرين، رغم أنه لم يتخرج من الجامعة ولم يحصل على نصيب وافر من العلم.

وحينما بلغ “سليمان الراجحي” التاسعة من عُمرِه، بدأ مشواره في الكفاح وطلب الرزق؛ حيث كانت بدايته متواضعة إلى أبعد حد؛ إذ عمل في بيع حقائب التَسوُّق لرواد سوق الخضار في مدينة الرياض. ومن طريف ما يُروى عنه، أنه لاحظ ذات مرة أن الأطفال في منطقته يُقبِلون بصورة كبيرة على شراء الطائرات الورقية للعب واللهو بها، فما كان منه إلا أن قام بشراء واحدة منها بآخر قرش كان في جيبه، ليس بهدف اللعب واللهو كغيره من الأطفال، بل لكي يُفكَكها ويتعرف على طريقة صنعها. ثم قام بجمع سَعَف النخل ليصنع منه طائرات مُشابِهة، ليبيعها بعد ذلك بنصف قرش للطائرة الواحدة!

وتستمر مسيرة “سليمان” العملية في التطور؛ فحينما بلغ الثانية عشرة من عمره، بدأ في جمع البلح لأصحاب مزارع النخيل في المنطقة التي كان يعيش فيها، لقاء ستة ريالات (أقل من ٢ دولار) شهريا. ثم تقلَّب في العمل بوظائف بسيطة متعددة؛ فعمل كنّاساً وحمّالاً وحارساً وطبّاخاً، ولم يكُن يتكبَّر أو يتردد في القيام بأي عمل مهما كان بسيطا، طالما أنه يدر عليه دخلاً يكفيه مؤونة الاعتماد على الغير. ويقول “سليمان” عن ذلك إن هذا الأمر أكسبه خبرة واحتكاكاً مع شرائح مختلفة من الناس، مما كان له أثر إيجابي على مسيرته العملية. ولعل أهم محطة في مسيرته العملية في تلك الفترة المبكرة كانت افتتاح دكان بسيط خاص به ليبيع فيه بعض السلع الاستهلاكية كالشاي والسكر والحلوى والكبريت. وقد ذكر “سليمان” في إحدى المقابلات التي أُجريت معه، أنه كان يوفر في دكانه بعض أنواع الحلوى التي لا تباع إلا لديه لكي يكون مميزاً عن غيره ممن يملكون دكاكين أو بقالات. وعندما وصل إلى سن الزواج اضطر إلى بيع دُكّانه من أجل دفع ما يترتب عليه من نفقات ومصاريف، حتى أنه ذكر أنه دفع كل ما يدّخره من مال لإتمام مراسم الزواج.


الانطلاق نحو الثروة

بدأ “سُلًيمان الراجحي” بالعمل مع شقيقه “صالح” في مؤسسة صرف العملات في مدينة الرياض. وقد تم افتتاح فَرعًا ثانيا لها في عام ١٩٥٦م. ولم يكتفِ “سليمان” بعمله هذا؛ بل إنه كان يعمل – في وقت فراغه – في بيع مواد البناء والأقفال بهدف تحسين دخله وزيادته.

وفي عام ١٩٧٠م انفصل “سُليمان” عن أخيه “صالح”، وقام  بافتتاح شركة خاصة به لتبادل العملات. وقد استَهلَّ عمله في صرف العملات مع الحُجّاج، ثم ما لبث أن توسعت أعماله وحقق نجاحاً مُبهراً؛ فتنامت ثروته واستثماراته التي شهدت توسعا مُنقَطِع النّظير؛ حيث بلغ عدد فروع شركته ثلاثين فرعًا موزعةً في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى العديد من دول العالم العربي من بينها مصر والأردن ولبنان؛ الأمر الذي أدى إلى تحقيق مكاسب ضخمة نتيجة توسيع نطاق عمله.

وقد أسس الشيخ “سليمان الراجحي” مصرف الراجحي ليكون أولَ بنكٍ إسلامي في المملكة العربية السعودية، وأحد المصارف الإسلامية الكبرى في العالم. ويمتلك المَصرِف عددًا ضخمًا من الشركات المساهمة في التنمية الزراعية والصناعية ومختلف القطاعات الغذائية كالدواجن والأسماك. ولم ينحصر عمل مصرف الراجحي في المملكة العربية السعودية، بل تجاوزه إلى دول عربية وإسلامية (مثل الأردن، الكويت، وماليزيا).

ويُذكَر أن “سُليمان الراجحي” قسّم ثروته بين أولاده في حياته، بعد أن تبرع بجزء كبير منها لصالح الأعمال الخيرية ليُصَار إلى إنفاقها في وجوه الخير على الأرامل والأيتام والفقراء، ولم يُبقِ لنفسه سوى بيت متواضع يقضي فيه ما تبقى له من حياة.


الدروس المستفادة

  • لا تحتقر العمل مهما كان بسيطا! من تَتّبُع سيرة الشيخ “سليمان الراجحي”، يتبين لنا أن الرجل لم يُفوِّت فرصة أتيحت له للعمل في أي مهنة من أجل كسب المال الحلال والاكتفاء الذاتي.
  • لا تعتمد على مصدر واحد للدخل: على الرغم من أن “سليمان الراجحي” كان شريكا لأخيه في محل الصرافة الذي كان يدر دخلا جيدا، إلا أنه كان يعمل في مهنة تجارية أخرى لتحسين دخله.
  • الثراء وسيلة لفعل الخير: ربما يكون الدرس الأهم هو أن الشيخ “سليمان الراجحي” لم يتردد في التبرع بجزء كبير من ثروته لصالح أعمال الخير والإنفاق في سبيل الله.
  • توزيع المال بين الأبناء قبل الموت: وهذا درس مهم آخر يمكن للأثرياء أن يتعلموه؛ فربما يكون من الأفضل أن تعطي لورثتك حقهم حال حياتك بدلا من أن تتركهم بعد موتك يقسموا الثروة التي جمعتها، وربما يتناحرون عليها ويخسرون علاقتهم مع بعضهم.
الرابط المختصر:

1 فكرة عن “سليمان الراجحي…من الحاجة إلى ملياردير الخير”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *