كارلوس سليم… الرجل الذي يتحول الهواء بين يديه إلى ذهب

   
الرابط المختصر:

قد يبدو مستحيلا أن يتمكن المرء من بناء ثروة طائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، منطلقا من دكان بسيط يضم سلعا لا تتعدى قيمتها بضعة آلاف من الدولارات. ولكن لا شيء مستحيل مع العمل الدؤوب والإصرار على النجاح، والتفاني في سبيل صعود سلم الثراء. يضاف إلى ما تقدم الذكاء والفطنة وحب التعلم والمجازفة. تلك الصفات اجتمعت في شخصية بطل قصتنا الذي استطاع أن يتحول من مجرد مهاجر يعيش حياته على بضع دولارات إلى عملاق من عمالقة الاستثمار في العالم. أظن أنكم تتساءلون الآن من هو هذا الشخص الناجح؟ لن نطيل عليكم ونزيد في تشويقكم أكثر، إنه كارلوس سليم، رجل الأعمال المكسيكي المنحدر من أصول لبنانية.


البداية

بدأ كارلوس سليم رحلته من دكان متواضع لبيع الأدوات المنزلية، كان والده يمتلكه. وقد اكتسب من والده مبادئ التجارة وفنونها منذ كان طفلا صغيرا. ولم يكن يخطر في بال الوالد أن هذا الصغير سيصبح واحدا من كبار رجال الأعمال على مستوى العالم، وأن الهواء سيتحول بين يديه إلى ذهب. ومن طريف ما يروى عن كارلوس سليم أنه كان ناجحا في جني المال منذ أن كان في العاشرة من عمره، حيث اعتاد على شراء بعض الوجبات الخفيفة والمشروبات وبيعها لأفراد أسرته.

ومما يستحق الذكر في مسيرة كارلوس سليم المبكرة أنه كان يعد من رجال الأعمال في المكسيك وهو لم يتعدى عامه الثاني عشر، حينما قرر شراء أسهم في إحد المصارف المكسيكية. ولعل أحد الأمور اللافتة التي تستحق الوقوف عندها، أنه كان يضبط مصروفاته منذ أن كان شابا يافعا؛ فقد اعتاد أن يحتفظ بدفتر يسجل فيه كل ما يحققه من دخل من ناحية، وما ينفقه من أموال من ناحية أخرى. ومما يُذكَر أيضا أن كارلوس سليم قام بتأسيس شركة عقارات، وعمل سمسارا في بورصة المكسيك، حيث استطاع أن يستثمر مُدّخراته في شراء مجموعة من الشركات. وحينما بلغ السادسة والعشرين من عمره وصلت ثروته إلى ما يزيد عن الأربعين مليون دولار! ولم يكتفِ كارلوس سليم بذلك، بل استمر في رحلته في عالم الأعمال والمال والاستثمار؛ فقام بتأسيس شركة للوساطة المالية في عام ١٩٦٥م، أخذت في التوسع والنمو، حتى أصبحت تستثمر في مختلف أنواع الشركات.


الانطلاق نحو الثروة

في عام ١٩٨٧م هبطت أسعار الأسهم هبوطا حادا على إثر أزمة مالية عانت منها المكسيك، وقد أدى ذلك إلى إحجام الكثير من المستثمرين عن شراء الأسهم، خشية حدوث كارثة مالية. إلا أنه كان لكارلوس سليم رأي آخر؛ فقد استطاع بفضل حنكته وميله إلى المغامرة أن يتخذ قرارا بأن هذا هو أنسب وقت للشراء؛ فقام بشراء عدد كبير من الأسهم، ليبيعها لاحقا ويحقق أرباحا طائلة. ولعل أبرز ما يميز بطل قصتنا عن رجال الأعمال الآخرين أنه كان يقوم بشراء المؤسسات المتعثرة التي تعاني من الصعوبات المالية والإدارية، ليحولها – بفضل حنكته وبراعته في الإدارة والاستثمار- إلى مناجم ذهب!

وفي عام ١٩٩٠م خطى كارلوس سليم خطوة أخرى مهمة أحدثت فرقا جوهريا في مسيرته العملية؛ حينما اشترى هو وشركاؤه شركة الهاتف الحكومية المكسيكية “تيلمكس” بمبلغ ١.٧ مليار دولار، واستطاع أن يحولها إلى منجم ذهب يُدِر المال الوفير. كما أنشأ شركة “أميركا موفيل” ووسع دائرتها من خلال الخوض في صفقات استحواذ، فوصل بها لتكون رابع أكبر شركة للخدمات اللاسلكية على مستوى العالم. ولم يتوقف طموح كارلوس سليم عند حدود بلده المكسيك، بل تعداه إلى الخارج؛ من خلال إنشاء شركة “تيلمكس” في الولايات المتحدة والانضمام إلى مايكروسوفت. ويذكر أن قيمة ثروته الصافية تبلغ نحو ٦.٦٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمكسيك!

ولعل أبرز الأسباب التي تقف وراء نجاح كارلوس وزيادة ثروته: قدرته الفائقة وحنكته على إدارة شركاته، وشراء الشركات المتعثرة بأسعار زهيدة، ومن ثم إعادة تنظيمها وتحويلها إلى منجم يدر ذهبا. كما أن ميله إلى المغامرة وخوض غمار المنافسة يعد من ضمن أسباب ثرائه ونجاحه منقطع النظير، بالإضافة إلى استراتيجيته الاستثمارية الفريدة من نوعها المتضمنة شراء الأسهم في الأوقات العصيبة حينما ينخفض سعرها والاحتفاظ بها ومن ثم بيعها عندما تتعافى ويرتفع سعرها، ومن الأمثلة على ذلك شراء حصة في نيويورك تايمز حين هبط سعر سهمها في عام ٢٠٠٨م.

وعلى الرغم من الثروة الطائلة التي يمتلكها، إلا أن كارلوس سليم لا يعيش في قصر فخم، ولا يمتلك مجموعة من السيارات الفارهة، وليس لديه طائرة خاصة أو يخت بملايين الدولارات، بل إنه يعيش في بيت عادي منذ أربعين سنة، ويقود سيارة مرسيدس مصفحة من الطراز القديم؟!

ولأن الحياة لا يمكن أن تستمر في العطاء دائما؛ فهي كما تعطيك تأخذ منك، فقد تكبد كارلوس سليم أكبر خسارة له بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث خسرت أسواق المال العالمية حوالي ٤١ مليار دولار، كان نصيب كارلوس لوحده منها ٤.٦ مليار دولار، ليصل حجم ثروته إلى ٤٥.٢ مليار دولار.

من أشهر مقولات كارلوس سليم التي تحمل في طياتها فهما ناضجا وعميقا:

  • إن رجال الأعمال يفعلون خيرًا أكبر حين يوفرون الوظائف والثروة من خلال الاستثمار، لا أن يكونوا مثل “بابا نويل” الذي يحقق الأمنيات.
  • الثروة مثل البستان؛ فما يجب أن تفعله هو أن تجعله ينمو، وتستثمر فيه ليصبح أكبر، أو تُنوّع لتخوض مجالات أخرى.
  • نعلم أن الأزمات تكون دائما مؤقتة، وليس هناك شر يستمر مئة سنة؛ فهناك دائما قفزة. حين تكون هناك أزمة يحدث رد فعل مبالغ فيه وتبخس قيمة الأشياء.
  • أسبوع العمل يجب أن يكون أقصر، وأعتقد أن الناس يجب أن يعملوا ثلاثة أيام فقط.

الدروس المستفادة

  • العمل في الصغر يكسب المرء خبرة ومهارة يمكن أن تكون رصيدا يستثمره في تحقيق النجاح فيما بعد .
  • طريق الثراء محفوف بالمخاطر، وإذا لم يكن بإمكان الفرد الخوض فيه فإنه قد لا يتمكن من تحقيق الكثير.
  • من يريد أن يجني ثروة لا بد أن يستغل الظروف لصالحه، فيتخذ القرار بلا خوف أو تردد.
  • التوسع المدروس والتنويع تعد من ضمن أهم الأسس التي يبنى عليها النجاح في بناء الثروة وتنميتها.
الرابط المختصر:

فكرتين عن“كارلوس سليم… الرجل الذي يتحول الهواء بين يديه إلى ذهب”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *