في أكثر من مناسبة طُرح على هذا السؤال: هل يمكنني أن أحوِّل براءة الاختراع لمنتج أو خدمة ريادية مبتكرة؟
من حيث المبدأ، لا يوجد شئ يمنعك من محاولة تحويل الاختراع إلى منتج. هنالك العديد من الاختراعات أو دعنا نقل المنتجات التي بدأت من مشروع جامعي، بحث علمي أو براءة اختراع مسجلة وربما من أشهر الأمثلة شركة قووقل والتي بدأها طلاب من جامعة ستانفورد. سؤالي لك هو، هل تريد أن تُصنِّع منتجًا لا أحد يريده؟
الشعار الأساسي لأحد أشهر مسرعات الأعمال في العالم YCombinator هو: إصنع شيئًا يحتاجه الناس (Make something people want). أحد الأسباب الرئيسية لفشل العديد من المشاريع والشركات الناشئة حول العالم هو أنهم لم يكلفوا أنفسهم بالتعرف على احتياجات العملاء قبل طرح منتجاتهم.
قائمة العناوين
تشجيع براءات الاختراع…لكن…
لسنين طويلة، كان هنالك تشجيع كبير من قبل الجامعات على تسجيل براءات الاختراع، لتحفيز أكبر عدد من أعضاء هيئة التدريس وغيرهم من منسوبي الجامعات والطلبة على تسجيل أكبر عدد من براءات الاختراع للمساهمة في رفع تقييم الجامعة ومحاولة تحويل بعض هذه الاختراعات لمنتجات ابتكارية.
الوصول لشئ أو إختراع شئ جديد هو إنجاز علمي عظيم. لكن، ليس بالضرورة أن هذا الإنجاز العلمي له قيمة أو فائدة تذكر لدى العميل. العميل لا يبحث إلا عن المنتجات أو الخدمات التي تقدم له قيمة من خلال حلّ مشكلة يعاني منها أو تلبية حاجة أساسية لديه.
أحد المشاكل الأساسية التي نعاني من تبعاتها (في نظري) هو أن الجامعات بدأت في تشجيع منسوبيها على الاختراع وتسجيل براءات الاختراع بشكل عام دون التشديد على أهمية كون الاختراع عملي ويقدم قيمة للمجتمع. لذلك، كانت النتيجة أن العديد من براءات الاختراع ليس لها أي قيمة أو فائدة، باستثناء قيمتها العلمية. بالتالي، لا يمكن تحويل مثل هذه الاختراعات لابتكارات مطلوبة (منتجات أو خدمات) ذات قيمة تجارية. أضف لذلك أنه لقلة انتشار ثقافة ريادة الأعمال وترخيص الاختراعات بين الباحثين فإن جُل اهتمامهم – على الأغلب – منصب على تسجيل براءات الاختراع.
البحث العلمي ثم براءة الاختراع أم العكس؟
من المعروف أن هنالك فرص ذات قيمة تجارية كبيرة للابتكارات التي قد تنتج من الأبحاث العلمية (Research-based Innovation). الوضع التقليدي (خصوصًا لدينا في الوطن العربي) هو أن يعمل الباحث على بحثه وبعد الإنتهاء منه يحاول تسجيل ماتوصّل إليه من نتائج أو ماقام به من جهد كبراءة اختراع. في هذه الحالة، من الصعب في كثير من الأحيان أن يقوم الباحث بإحداث تغيير جذري على ماقام به من عمل (خصوصًا لو كان ممتدًا لسنوات) على أمل أن يُصبح الاختراع عمليًا وذا قيمة تجارية…
هنالك حاجة ماسّة لتثقيف الباحثين وتوعيتهم بأهمية التفكير مبكرًا في مدى كون الاختراع عمليًا وذا قيمة خصوصًا إذا كان ينوي تسجيله كبراءة اختراع. أما إذا لم يكن ينوي ذلك، فلا مانع من العمل على الأبحاث والدراسات النظرية أو التي تساهم في الإسهام العلمي في مجال ما دون التفكير في تحويلها لاختراع (كالأبحاث النظرية، المنهجيات، الأفكار الجديدة، وغيرها).
من الضروري تقنين مايتم تسجيله من اختراعات من قبل الجامعات والجهات ذات العلاقة وتحديد معايير دقيقة من أهمها القيمة التجارية للاختراع قبل المباشرة في تسجيلها إلا إذا ماكان التسجيل محليًا ولا يكلّف شيئًا، فالتسجيل خارج السعودية مكلف…
تثقيف المخترعين
في ظل ازدياد المخترعين وبراءات الاختراع وقلة الموارد لدى الجامعات، أصبح من المهم تقليل الهدر واستغلال الموارد بالشكل الأمثل. بالتالي، أصبح هنالك حاجة ماسّة لتثقيف منسوبي الجامعة والباحثين والطلبة على أهمية التفكير في الفعالية والقيمة التجارية للاختراع قبل البدء في أبحاثهم ودراساتهم العلمية بحيث يساهم ذلك في زيادة الفرص التجارية والدخل المحتمل للأفراد والجامعات.
المخترع وريادي الأعمال
المخترع ليس بالضرورة أن يكون رائد أعمال والعكس صحيح أيضًا. إذا كان الشخص مخترع ولديه أفكار عديدة، قد يكون المسار الأنسب له هو أن يكمل في طريق الاختراعات ويركز على تسجيل براءات الاختراع للمنتجات التي لها قيمة لدى العميل ومن ثم يمكنه محاولة ترخيص براءة الاختراع أو بيعها للجهات المهتمة. هذا الخيار مناسبًآ للمخترع خصوصًا إذا لم يكن لديه أي خبرة في تأسيس الأعمال أو لم يكن مهتماً بتأسيس مشروعه الخاص أو البحث عن شركاء معه.
في المقابل، نجد أن العديد من الشركات الناشئة اليوم تسعى لتسجيل براءات اختراع لمنتجاتها (إن أمكن) لزيادة قيمة الشركة وحماية منتجها في السوق. مع ذلك، من المهم آن تستمر الشركة الناشئة في عملها الأساسي (إيجاد حل مبتكر يقدم قيمة) وألا تتعطل أو تؤخر نفسها لمجرد انتظار صدور براءة الاختراع أو أن تجعل جلّ اهتمامها تسجيل براءات الاختراع وتنسى الأدوار الأخرى الأكثر أهمية.
ماذا لو كان اختراعي ذو قيمة؟
إذا كان الاختراع الذي قمت بتسجيله (أو جاري تسجيله) ذو قيمة، هذا شئ جميل. في هذه الحالة قد يكون من المناسب التفكير في مدى الحاجة للاختراع ودراسة الطلب المتوقّع.
الاختراع متخصص وعليه طلب محدود
إذا كان الإختراع متخصصًا جدًا والحاجة له محدودة (الطلب محدود)، على المُخترع أن يقرر ما إذا كان هنالك جدوى مالية من إقامة مشروع تجاري من عدمه. المشروع التجاري في هذه الحالة قد يكون على شكل شركة صغيرة. الخيار الآخر أن يحاول المخترع البحث عن جهة مهتمة بشراء أو ترخيص اختراعه بحيث تقوم هي بتصميم وتصنيع المنتج بمقابل نسبة/مبلغ يدفع للمخترع. الخيار الأخير يعتبر الأفضل أيضًا في حالة كانت الفئة المستهدفة (العملاء) في دولة أخرى بعيدة لا يمكن للمخترع الإنتقال إليها أو خدمتها بشكل فعّال من مكانه.
إذا كنت مهتمًا بريادة الأعمال وترغب في أن تصبح رائد أعمال ناجح، قد يكون من المناسب التركيز على دراسة أو بحث علمي آخر من الممكن أن ينتج عنه اختراع مهم قابل للانتشار. أيضًا، يمكنك البدء في عالم ريادة الأعمال بالطريقة الأخرى وهي إيجاد حل لمشكلة قائمة أو تلبية حاجة أساسية ملحّة.
الاختراع قيمته عالية والطلب عليه كبير
إذا كان الإختراع يقدم قيمة واضحة وله حاجة ماسة، قد يكون من المجدي تحويله لمشروع تجاري ريادي بحيث يقوم المخترع بإنشاء شركة ناشئة بعد البحث عن شركاء مؤسسين معه أو فريق عمل مناسب. وعلى افتراض أن الابتكار (المنتج أو الخدمة) عليه طلب كبير واحتمالية عالية للنمو والانتشار السريع، من الممكن أن نطلق على المشروع بأنه مشروع ريادي.
التحوّل التجاري (Commercialization) للأفكار البحثية والاختراعات عملية معقّدة وصعبة وتحتاج للكثير من الوقت. لذلك، من المهم التركيز على الاختراعات التي تستحق ذلك. في نفس الوقت، من المهم نشر ثقافة ريادة الأعمال بين منسوبي الجامعة والطلبة وفي المجتمع مع التركيز على أهمية وجود قيمة حقيقية ملموسة في الأفكار لزيادة احتمالية وفرص نجاحها كمنتجات مبتكرة.
https://twitter.com/aaahariri/status/784726902233858049
بالضبط هذا ما يحتاجه المخترعون وهو ( القيمة المضافة) الموجودة في اختراعاتهم حيث يركز أغلب المخترعين على الجانب الفني ويهمل جوانب الابتكار الأخرى المهمة
فعلاً ونتمنى أن تنتشر أهمية “القيمة” بشكل أكبر…